فضاء حر

ما يفعله الاعلام المسموم

يمنات
“البلد ليس بخير” ..هذا ما يقوله اليمني اليوم أينما كان وكيفما كان ..
في هذه المنطقة من العالم تبدُ المطابخ السياسية لدوائر صنع القرار مصابة بحالة مزمنة من بطء الفهم ما يجعلها تصل دوما متأخرة عن الشارع بخطوة لتطرح اليوم ما كان يفترض بها طرحه بالأمس.. أما المطابخ الإعلامية فبات واضحاً للعيان أنها مسمومة لا فرق في ذلك بين الإعلام الرسمي والأخر التابع للأحزاب والقوى السياسية المختلفة ..
“لا أختلف مع علي عبد الله صالح ميراث أو شجرة لم تقسم بيننا لكني اختلف معه بشأن سياسته الخاطئة”.. بهذا المعنى إن لم تخني الذاكرة أجاب الصحفي اليمني الحر عبد الحبيب سالم على سؤال يتعلق بمبررات حملته الصحفية على سياسات صالح ضمن حوار نشرته صحيفة الجمهورية مطلع التسعينات من القرن الفائت.. وهي ذات السياسة التي ثار عليها الشعب اليمني بكافة فئاته في الحادي عشر من فبراير 2011 لكن العجيب والمحير بحق أن القوى السياسية التي نادت بالتحديث كثيراً خلال الحالة الثورية كان لسانها كما يبدو مع خطاب التحديث وعينها على الشجرة ، حيث عمدت منذ اللحظة الأولى للمشاركة في الحكم إلى المشاركة أيضاً في اعادة انتاج نفس السياسات وبذات الآليات السيئة ..لا أعني هنا قوة سياسية بعينها بل أعني كافة القوى السياسية المكونة للخمسين في المئة القادمة إلى الحكم نهاية العام 2011 وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية..
لا توجد استراتيجية إعلامية في البلد هذا أمر لا يختلف عليه اثنان وعن نفسي ناديت كثيراً ونادى آخرون حتى بحت أصواتنا من أجل اعلام استراتيجي مسئول يساند التوجه صوب بناء الدولة واليمن الجديد لكن وكالعادة لاحياة لمن تنادي غير أن ماهو أدهى وأمر أن لا توجد في ذات الوقت مسئولية في لحظة تاريخية بالغة الصعوبة كالتي يمر بها اليمن في الوقت الحالي..
من حق أية قوة سياسية الاستفادة من ظرف ما لصياغة تكتيك ما يخدمها في توسيع ساحتها ، لكن من المسئولية أيضاً مراعاة الآثار السلبية البعيدة لذلك التكتيك المرحلي..
أن تستفيد قوة سياسية ما من خطأ قوة سياسية أخرى فهذا أمر طبيعي وحيوي لكن من الجيد التنبه إلى مسألة من نوع ..استمرار البناء على الخطأ قد يكون خاطئاً أيضاً..
حكومة الكفاءات مطلب ثورة فبراير 2011 وليست مطلب فصيل بعينه ولعل من المهم هنا تصحيح الصورة .. والبلد بحاجة لحكم مدني والمراهنة على القوة من أي كان هو أول الخسارة.
تحت شعار الثوابت الوطنية الثلاثة “الجمهورية والثورة والوحدة” انزاحت الجمهورية نحو التوريث والثورة نحو تخوين كثير من رموزها والوحدة صوب المطالب بفك الارتباط خلال العقدين الماضيين حتى فاض الكيل وخرج الشعب بكافة فئاته بطول وعرض البلد ينشد التغيير والدولة المدنية..
استخدام ذات الشعار بإخراج محسن تحت عنوان “الاصطفاف الوطني” مكن تحالفات سياسية واسعة من اخراج مسيرة بذلك الحجم وهو ولاشك عمل سياسي ذكي وحق تكتيكي للقوى المنظمة، ففي الوقت الذي أدار الحوثي فيه ظهره لتحالفاته فقد الغطاء السياسي إلى حد مؤثر ولعل في بيان مجلس الأمن ما يوضح الصورة
في ذات الوقت سارع الإصلاح إلى اعادة ترميم الجسور مع حلفائه الغاضبين من نسيانه إياهم سنوات العسل الحكومي فيما وصف باجتياحه الأوسع لمساحة حصص التقاسم في كشوف التعيينات السياسية الكبرى والمتوسطة والوظائف العامة وما شابه ،وهو بشكل ما حق له استناداً إلى حجم حضوره وتأثيره في الساحة اليمنية وإن كان الأمر لا يخلو من خطأ من منظور تكتيكي لجهة الموقف غداً أمام التداعيات التي كان كما يبدو يراها بعيدة واتضح أنها أقرب موعداً من المتوقع وهو سوء تقدير يحسب على قادته الذين سيجرون ولا شك مراجعة من نوع ما أو هذ ما يفترض بهم فعله لكن ذلك الخطأ أنتج ما يحدث الآن..
في المقابل أيضاً سيجد أنصار الله أنفسهم أمام حاجة للقيام بمراجعة من نوع ما بعد ما حدث وربما يتجهون تالياً إلى استعادة مد الجسور مع مساحة أو سع من المكونات السياسية
في المقابل وبذات الحساب السياسي ذهب أنصار الله نحو الاستفادة من خطأ التوافق الحاكم واستياء القبائل المعتمدة على النشاط الزراعي من رفع أسعار الوقود في توسيع مساحة تحالفاتهم في محيط العاصمة صنعاء ..
كل هذا بالحساب السياسي وعلى الطريقة اليمنية والعربية على وجه التحديد يمكن فهمه لكن بعض الخطوات اللاحقة التي قد تبنى على تلك المكاسب والأخطاء وعلى رأسها الخطاب الاعلامي الاقصائي المتشنج يمكن أن يكون سيئا بالفعل ليس على مستوى أحزاب التوافق فقط بل وعلى الوطن ونسيجه الاجتماعي والمؤسف أن يبدو ذلك في المدى غير البعيد..
حشد كبير واحد يكفي لكسر حاجز الجليد بين تحالفات التوافق ثم هناك وسائل وآليات كثيرة للتنسيق فيما بينها إن كان الأمر بهذا الاتجاه لكن مبدأ الحشد والحشد المضاد آلية أقل مايقال فيها أنها سيئة كونها في نهاية المطاف تؤسس لشرخ عميق اضافي في الوقت الذي يحتاج فيه البلد الى التلاقي والتقارب أكثر من أي وقت مضى ..
التظاهر والاعتصام حق للمعارضة وليس للسلطة مهما تفننت الدوائر السياسية في تبديل المسميات..
الحديث حول الدفاع عن النظام الجمهوري أمر يشعرك بالصداع ذلك أن ملامح المشهد الملكي ربما تشغل مساحة أو سع في ذاكرة التوافق الحاكم وليس في ذاكرة عبد الملك الحوثي الشاب الثلاثيني الذي ولد وترعرع في أجواء الجمهورية وربما أن مقارنة عابرة مابين كشوفات التعيين السياسي لدى أحزاب التوافق وبين تعيينات الحوثي في دوائر انصاره لن تكون في صالح الأول والشواهد كثيرة ومتناثرة على الارصفة حيث مايزال يقبع ذلك القدر الكثير من الكفاءات والشباب الذين كان لهم دورهم الفاعل في الحالة الثورية اليمنية العام 2011 ،كونهم ليسوا من ذوي القربى أو المقربين
الطريقة التي يتعاطى بها الاعلام الرسمي والحزبي كفيلة لوحدها بإخراج الشعب من جديد قلنا هذا كثيراً لكن أحداً لم يهتم ..قلنا أن حساب الزمن تغير بعد العام 2011 وأن الثلاثين عاما لن تزيد عن سنوات ثلاث ..قلنا هذا باكرا جداً ولم يستمع أحد وهاهي السنوات الثلاث تكتمل الآن..
لا منطق يمنح أياً كان الحق في تجريم أياً كان على أساس نوايا مفترضة ذلك أن القانون وضع في الأساس لمحاكمة الأفعال وليس النوايا فذلك شأن الله والله لم يوكل هذه المهمة لأحد فما الداعي لتسميم الوعي بكل تلك الأوهام.
حين شم الشعب اليمني رائحة توريث هب وازاح صالح وأركان الأسرة عن المشهد السياسي ..ما يعني أن قضية الدفاع عن النظام الجمهوري ليست قضية فصيل سياسي ولا حكومة تلك قضية شعب والشعب يعرف جيداً كيف ومتى يديرها وبنجاح مبهر.. أخطاء من يحكمون هي من فتحت الطريق الى ساحات جديدة هنا تكمن القضية ومن هنا تخرج الحلول.. وحين تستشعر الوجع بشكل عاجل هذا يعني أنك بخير بغض النظر مع من تتفق أو تختلف.

زر الذهاب إلى الأعلى